الخميس، 17 يونيو 2010

السينما - بعد ١١ سبتمبر


هناك العديد من المغالطات لدى بعض النماذج السياسية في السينما الأمريكية عن كيفية معالجة الإرهاب لدى بعض الدول حول العالم، وعلى الرغم من محاولة بعض الليبراليين ومناهضي الحرب دعم بعض الإنتاجات السينمائية المتوازنة ولكن هناك من الجهة المقابلة من يعمل على قلب المفاهيم وتشويش الحقائق من خلال تقديم معلومات لم يتم إثباتها تاريخياً، ولعل أبرز مثال هو فيلم «The Kingdom المملكة» الذي تم إنتاجه قبل حوالي عامين، يقدم سيناريو فيلم «المملكة» مغالطة للحقائق التاريخية والموثقة عندما قدم فريق من الاستخبارات الفيدرالية الأمريكية FBI وهم يتعاونون مع فريق مماثل من الجانب الأمني المحلي على كشف مكان رجل مشبوه يُدعى «أبو حمزة» في حي السويدي «أحد أشهر الأحياء في مدينة الرياض» «أبو حمزة» أحد أفراد تنظيم القاعدة ومطلوب لأكثر من جهة دولية بتهمة الإرهاب والتعاون مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، يبدأ سيناريو الفيلم بتفجير ضخم يتم تنفيذه داخل مجمع سكني في أحد أحياء شمال مدينة الرياض، المجمع تم استهدافه بسبب عدد من المقيمين الأجانب نسبة كبيرة منهم من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر جعل من أحد رجالات المخابرات الأمريكية يصر على الذهاب لمدينة الرياض لكشف حقيقة المتسبب في الانفجار، وبشكل غير مفهوم يقدم كاتب الفيلم «ماتوي مايكل» العناصر العسكرية التابعة للأمن السعودي وكأنهم لا يفقهون في أمور متابعة وملاحقة العناصر الإرهابية.. متجاهلاً في الوقت نفسه الإنجازات غير المسبوقة للأمن السعودي المتمثلة في الكشف عن العديد من الخلايا الإرهابية وذلك عن طريق ضربات متكررة جعلت من تنظيم القاعدة في السعودية يتآكل حتى اختفت شمسه في السنتين الأخيرتين، والعجيب أن التغطية الإعلامية قبل أن تكون من الإعلام السعودي والعربي قُدمت عن طريق الإعلام الغربي نفسه، فالجميع يتذكر كيف كانت قنوات bbc وCNN تشهد بكفاءة الأمن السعودي من خلال حربه الداخلية مع الإرهاب وكيف تفوق من خلال قوة المعلومات التي يملكها، وكفاءة الأجهزة والعناصر التي تتبع له أثناء مطاردته لعناصر التنظيم الإرهابي التي عجزت بعض الدول الأخرى في مواجهته، يواصل سيناريو الفيلم في تقديم أكذوبات وتلميحات لا مبرر لها من أبرزها تقديم حي السويدي كأحد المخابئ التي تشتهر بالإرهاب والتعاطف مع خلايا تنظيم القاعدة، متجاهلاً في الوقت نفسه أن سكان حي السويدي أنفسهم ساعدوا أجهزة الأمن كغيرهم من سكان الأحياء الأخرى أثناء المواجهة مع العناصر الإرهابية، الفيلم يقدم نفسه كأحد أضعف الأفلام من ناحية السرد القصصي المتمثل في تقديم حقائق غير مدعومة بالأدلة الكافية، استعراض خجول لشوارع الرياض التي تم تصويرها في مدينة أبو ظبي، فيما يقدم الفيلم شخصيات سعودية بلهجات عربية غريبة، بل قدم أحد سكان أحياء السويدي السعوديين بلباس آسيوي في فشل غير مستغرب لواحد من أصعب الإنتاجات الهوليودية في السنوات الأخيرة، في الوقت نفسه يعتبر الفيلم من الناحية الفنية ضعيفاً لأبعد الحدود.. فالتصوير السينمائي كان متواضعاً والمونتاج غير متناسق، علاوة على التمثيل السيئ من طاقم الفيلم التمثيلي المتمثل في الحائزين على الأوسكار «كريس كوبر» و»جيمي فوكس»، باستثناء الأداء التمثيلي الجيد نسبياً الذي قدمه الممثل «أشرف برهوم»، غير ذلك الفيلم لا يعدو كونه مضيعة للوقت حتى للمشاهد الغربي بصفة خاصة، فلا يبدو أن النص كان مقنعاً بما فيه الكفاية لتقديم نفسه كحجة لحقيقة تاريخية للمتلقي سواء في الغرب.. أو في الشرق الأوسط، أضف إلى ذلك أن المعالجة السينمائية للأحداث كانت هوليودية تجارية بحتة بشكل أنقص من قيمة الفيلم السردية عندما تشاهد من قبل الجمهور عربياً كان أو أجنبياً، فمن يصدق أنه خلال زمن يقدر بـ 24 ساعة فقط يتم التنسيق على إرسال مجموعة من المتخصصين من أجل القبض على مجموعة من الإرهابيين من دون تمهيد درامي منطقي يؤهلهم لذلك، ذلك النص المتهالك جعل النقاد الغربيين ينتقصون من قيمة الفيلم الفكرية والفنية عندما استبعدوه كلياً من قوائمهم ذلك العام، في الوقت الذي لقي الفيلم المنصف الآخر لجورج كلوني «Syriana» وقتها وقبل عامين فقط ترحيباً نقدياً بحكم أنه كان منصفاً بما فيه الكفاية في تقديم الحرب على الإرهاب بصفة غير تلك التي قدمت في فيلم «The Kingdom».. والذي كانت تشوبه صفة هوليود اللعينة عندما تقدم الأبطال وحدهم من أبناء الحرية وكأن البطولة محصورة ومحتكرة لأبناء الحرية يبدو أنها عقدة تواصلت معهم منذ زمن فيتنام عندما قدموا «روامبو» لينسيهم الهزائم المخزية التي تلقتها أجهزتهم العسكرية إبان حربهم الظالمة على الشيوعية في فيتنام.


===============



الفنانون وقت الأزمات


كيف يتعامل الفنانون مع الأزمات؟.. في وقت مضى وبالتحديد أثناء الحرب العالمية الثانية كان العالم يشاهد القصص الكلاسيكية الشهيرة في صالات السينما، خصوصاً العظيمة منها كتلك التي سبق أن قدمت في الأدب مثل فيلم «ذهب مع الريح» والذي كانت فيه طلة الممثلة الحسناء فيفان لي تنسي الجمهور هموم الحرب مع فيلم «ساحرة اوز» المقتبسة من الرواية الناجحة لفرانك بوم، وفي الوقت الذي نسي فيه العالم آلام الحرب الطاحنة يتذكر فيه الجميع الروائع الكلاسيكية التي كانت تقدمها شاشات السينما وقتها والتي كانت فيه خير رفيق خصوصاً قبل ولادة جهاز التلفاز، والأمر مع الفن والسينما تكرر مع الثلاثاء الأسود الذي يعتبر أحد أكثر الأزمات المربكة للشعب الأمريكي في العقد الأخير خصوصاً أنه لم يتذوق المأساة في عقر داره، فكيف تعاملت السينما مع تلك الأحداث.. وكيف تقبل مجتمع نيويورك نتاج سينما التي تتحدث عن الحادي عشر من سبتمبر في الوقت الذي حذر فيه مراقبون السينما من التطرق ليوم الثلاثاء الأسود من أجل تضميد جراح من خسر ضحية في ذلك اليوم.. وقد تكون أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001 هي الأكثر تأثيراً على المجتمع النيويوركي بشكل أكبر.. مما أثرت على الولايات الأخرى بحكم أن أعظم المصائب في يوم الثلاثاء الأسود ذاقها أهالي مدينة «نيويورك» أكثر من غيرهم، ولهذا صدر فيلم بعنوان: «عهد مرّ عليّ Reign Over Me» يسرد سيرة حقيقة لأحد سكان مدينة نيويورك ويُدعى «تشارلي» والذي خسر زوجته وأطفاله في الطائرة التي هاجمت مركز برجي التجارة العالمية في يوم الثلاثاء الأسود، يتناول سيناريو الفيلم بدقة مدى المعاناة التي عاشها «تشارلي» لكي يتخلص من محنته، فنجد أنه يعيش مأساة وتراجيديا حقيقية تتمثل في كيفية الاستمرار في العيش وممارسة الحياة الطبيعية بعد كل ما حصل لعائلته، تلك المعاناة التي وصفها الفيلم تماثل نفس التراجيديا التي واجهها عائلات الضحايا في أسوأ يوم في تاريخ المجتمع الأمريكي، سيناريو الفيلم يستعرض شخصية أخرى تُدعى «جونسون» وهو زميل لشارلي أيام الدراسة في كلية الطب، يقابل بالصدفة زميله أيام الدراسة «تشارلي» والذي علم للتو بأنه خسر عائلته في الحادي عشر من سبتمبر، يقرر «جونسون» أن يقف لجانب زميله ويساعده على تخطي محنته في مهمة قد تكون نسبة نجاحها ضئيلة للغاية بحكم تدهور حالة «تشارلي» النفسية والجسدية بشكل جعله يستقيل من مهنته كطبيب أسنان، نجد أن زوجة «جونسون» في المقابل تحاول هي الأخرى أن تنقذ زوجته من المهمة المستحيلة بسبب تأثير ذلك عليها وعلى أبنائها بحكم تواجد «جونسون» الدائم بجوار زميله «تشارلي» على حساب عائلته وأبنائه، السينما الأمريكية بعد أحداث سبتمبر تطرقت لموضوعها بشكل متنوع فنجد في العام 2006 أن المخرج «باول غرانغراس» سرد ما حصل من داخل الطائرة «يونايتد 93» بالتفصيل، بينما صور المخرج «الفير ستون» القصة الحقيقية لحياة اثنين من رجال الإطفاء اللذين انهال عليهما برج التجارة العالمية الأول قبل أن يتم إنقاذهما، وفي هذا العام نجد أن تناول أحداث سبتمبر تحوّل لتفاصيل أقارب العائلات الضحايا.. ومنها برز هذا الفيلم كواحد من أبرز الأعمال الإنسانية الدرامية التي صنعت في العام 2007م.


============

رعب اجتاح هوليود بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر


خلال الفترة القريبة القادمة سيعيش العالم الذكرى التاسعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي يعتبرها الكثير من المراقبين أكثر الذكريات المؤلمة التي عايشها الشعب الأمريكي، وبلا شك تأثر الخطاب والمضمون في الإنتاج الفني والأدبي والثقافي في غالبية ما تم تقديمه في الولايات المتحدة.. وعلى الرغم من تلك التغييرات الثقافية والفنية والاجتماعية التي تشكَّلت في العديد من الإنتاجيات على كافة الأصعدة إلا أن نهج السينما الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر خصوصاً الإنتاج السينمائي السياسي بخطها ما زال محدوداً، وعلى النقيض نجد أن السينما التجارية تطورت بشكل كبير بعد أزمة الثلاثاء الأسود، ويبدو أن شركات وأستديوهات هوليود الضخمة تحاول أن تنسي جمهورها من خلال المؤثرات والقصص الممتعة، بالتالي لا تقدم لهم المزيد من السياسة التي أشبعت في الإعلام الأمريكي، فبعد موجة الأفلام التي قدمها المخرج ألفير ستون قبل سنوات لم نشاهد موجة جديدة لخط السينما السياسية كتلك التي أسسها ستون، أفلام ستون السياسية الأبرز هي «جي أف كي JFK» والذي يستعرض بالتفصيل كيف تمت عملية أشهر الاغتيالات في التاريخ الحديث، الاغتيال الذي كان ضحيته الرئيس الأمريكي والمحبوب على مستوى الشعب الأمريكي جي أف كيندي، وبعد جي أف كي قدم أليفير ستون شخصية سياسية مشهورة أخرى مع فيلم «نيكسون «NIXON» والذي يستعرض حياة الرئيس الأمريكي نيكسون الشخصية والمهنية، وكلا الفيلمين للمخرج الأمريكي ألفير ستون نالت رضاءً نقدياً واسع النطاق ولقيت ترحيباً في الجوائز والأكاديميات، ولكن لم نشاهد بعد هذين الفيلمين إلا محاولات معدودة لاستعراض قضايا سياسية وأحداث دولية هامة، لعل أهمها الفيلم البريطاني» الملكة» The Queen الذي يتعمق في كواليس القصر الملكي البريطاني بعد رحيل الأميرة ديانا وطريقة التعامل المثالية من قبل حكومة توني بلير مع الحدث الهام، في الوقت الذي يستعرض الفيلم بسخرية التعامل الملكي الكلاسيكي الباهت مع الحدث الجلل الذي أصاب أمة بريطانيا.. أفلام سياسية أمريكية استعرضت الحدث الأهم في تاريخ أمريكا الحديث وهو يوم الثلاثاء الأسود الموافق الحادي عشر من سبتمبر.. ولعل أهم تلك الأعمال هو فيلم «الرحلة» يستعرض المخرج بيتر ماركلي في هذا الفيلم التلفزيوني الدرامي المثير الرحلة الثالثة والتسعين تفاصيل ما حدث لركاب تلك الرحلة أثناء لحظة اختطافها من بين الطائرات الأربع التي نجحت ثلاث منها في تحقيق أهدافها.. يسرد نص الفيلم ردة الفعل الأولى التي حصلت لعائلات الركاب أثناء تلقيهم خبر اصطدام طائرة تجارية لمبنى التجارة العالمي، ويتعمق السيناريو في تفصيل الجانب النفسي لعائلات الركاب الذين على متن الطائرة المنكوبة 93، العمل شبيه إلى حد كبير من ناحية الشكل والسيناريو بالعمل السينمائي المتميز «يونايتد 93» الذي تكفل بإخراجه بول جرينجراس وحاز على نجاح نقدي وأكاديمي، يبدأ هذا العمل المثير للجدل بمشاهد تصور ما حدث أثناء مرحلة التفتيش النهائية والتي تكون قبل الشروع في إنهاء إجراءات السفر عن طريق البوابة المؤدية للطائرة.. ويسرد الفيلم الطريقة التي خطط لها الإرهابيون لكي يتمكنوا من اختطاف الطائرة من دون إثارة الشكوك أثناء مرحلة التفتيش في المطار، ثم تبدأ المرحلة التالية وهي الأصعب وتتمثل في التهديد بقنبلة في حالة عدم تعاون طاقم الطائرة المضيف معهم، يتوقف بعدها المخرج لينقل المُشاهد للمراحل التراجيدية الإنسانية العصيبة التي مر بها جميع عائلات طاقم الرحلة 93 وركابها عند علمهم بأنها من ضمن الطائرات الأربع المُختطفة في ذلك اليوم المشئوم، تبدأ الأسئلة والاستفسارات حول الهدف الحقيقي الذي يخطط له من قام بعملية الاختطاف.. هل تتمثل بالمطالبة بفدية؟ أم مطالبات سياسية معينة؟ أم الأمر الأكثر تعقيداً لهم وهو القيام بعملية انتحارية لهدف مرسوم مسبقاً..؟ يستعرض الفيلم الاتصالات التي حصلت بين برج المراقبة الخاص بمتابعة سير خط الطائرات على أجواء الولايات المتحدة وبين المختطفين، ثم يتحول لمرحلة علم برج المراقبة بالهدف الذي ينوي الإرهابيون القيام به عن طريق إرسال طائرة مقاتلة لمتابعة سير الطائرة المشتبه فيها.

بعد ذلك ينتقل المخرج مرة أخرى لركاب الطائرة مستعرضاً ملامح الحزن والخوف عليهم بشكل إنساني مؤثر، ويستعرض الخطط التي من الممكن أن تنقذهم من ذلك الموقف الصعب تجد فريقاً منهم يفضل مهاجمة الإرهابيين حتى لو جازفوا بتفجير القنبلة.. ومنهم من يرى بأهمية إعلام السلطات بموقعهم لكي تتمكن الطائرات المقاتلة من إجبار الطائرة على الهبوط والقليل منهم يرى أنه من الأفضل أن ينتظروا على أمل أن يكون هدف المختطفين هو المُطالبة بفدية، نجد أن الجميع اتفق على مهاجمة الإرهابيين بعد حصولهم على تأكيدات من خلال اتصالاتهم بذويهم بأنّ برجي التجارة العالمية قد تمت مهاجمتهما، ومبنى البنتاجون أيضاً قد تمكنت منه إحدى الطائرات المُختطفة.. وبالتالي قطعت تلك الأحداث الشك باليقين بأن الطائرة 93 متوجهة سلفاً لأحد الأهداف المعينة والتي قد تكون البيت الأبيض أو مبنى الكونجرس.

مضمون الفيلم في النهاية بلا شك إنساني بالدرجة الأولى.. فهو لا يهدف بالدرجة الأولى للطريقة التي من الممكن أن يفعلها الركاب تجاه الإرهابيين أثناء توجههم لأحد الأهداف، فهو يستعرض المدى التراجيدي المؤلم للإنسان عندما يعلم بأن أحد أقربائه على وشك الموت، ويبحر السيناريو في نفسية الأهالي عندما يتبين لهم ما سيحصل لأحبائهم وأقربائهم الذين كانوا على متن الطائرة المخطوفة، وقد تمت صياغة السيناريو على يد الكاتب «شرينر فيتيري».. معتمداً على شهادات مقدمة من عائلات الضحايا أثناء إفادتهم المعتمدة على الاتصالات التي حصلت بينهم وبين ركاب تلك الرحلة، وعلى ما حدث بين طاقم المراقبة الجوية والمختطفين أثناء تسجيل تلك المحادثات في الصندوق الأسود الخاص بالطائرة.

الفيلم حصل على درجات عالية من النقاد، وترشح لست جوائز لحفل الإيمي الخاص بتكريم الأعمال التلفزيونية، وبلا شك يستحق أن يكون في قائمة الأفلام الإنسانية المؤثرة التي استعرضت الجانب المؤلم لضحايا الحادي عشر من سبتمبر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق