السينما حين تبتعد عن الواقعية وتشطح بخيالها
هل السينما مطلوب منها أن تقدم الواقع كما هو، أم تشطح بخيالها بعيداً وتنقل الناس لعالم آخر ينسيهم همومهم اليومية ومعاناتهم، إنتاج الأفلام السينمائية المستقلة سواء كانت الأمريكية أو الأوروبية وخارج القارتين حتى من سينما آسيا وأووربا تتميز بحسها الواقعي البعيد عن تلك التي تنتجها سينما هوليود وبوليود على الرغم من أن الكثير من الأستديوهات بدأت تعيد النظر في الكثير من الإنتاج السينمائي بعد النجاحات الكبيرة التي حققتها أفلام الرجل الوطواط والرجل الحديدي «باتمان» و»آيرن مان» والتي تميَّزت بنصوص قريبة للواقع، الانقلاب في هوليود يشبه الانقلاب على البرجوازية في السينما الأووربية بعد الحرب العالمية مع أفلام الموجة الفرنسية الواقعية مثل The 400 Blows الذي بات من أوائل الأفلام الذي أظهرت شاباً وهو في العاشرة من عمره يدخن السيجارة، على الرغم من جرأة المشهد إلا أن النقاد في ذلك الوقت يعتبرونه ثورة في الواقعية، وأيضاً لفيلم الفرنسي الآخر Hiroshima, mon amour ثم تبعتها السينما العالمية، والأمريكية بالذات بعد الانقلاب الذي حصل على التقليدية الكلاسيكية في عقد الستينيات لأفلام ثارت على السرد التقليدي لتكون أقرب لواقع المجتمعات مثل أفلام «Midnight Cowboy « و» Easy Rider و»The Graduate «، وغيرها الكثير طبعاً من دون أن نذكر أفلام الممثل»براندو» في فترة الخمسينات، والمخرجين « مارتن سكورسيزي» و « ساندي لوميت» وغيرهم في فترة السبعينيات.
بعد العديد من الأفلام الواقعية هل السينما ما زالت تحاكي الواقع وتعكس هموم المجتمع، وتعكس ما يفعله الناس بتصرفاتهم العفوية بشكل دقيق.
في مشاهد عديدة أشاهدها لأفلام أمريكية حديثة سواء مستقلة، أو ذات أنتاج مرتفع وأفلام من خارج أمريكا من أووربا وأفريقيا.. لم أشاهد يوماً شخصاً ما يخرج من سيارة أجرة ويعطي السائق مبلغاً من المال، ثم ينتظر لأخذ ما تبقى له من أموال كما يفعل غالبية الناس في الواقع. ولم يسبق أن شاهدت مشهد فيلم من قبل لرجل يريد أن يوقف سيارته أمام أحد المحلات ثم يجعلنا المخرج ننتظر عشر إلى ربع ساعة بسبب أنه لم يجد «بعد» موقفاً لسيارته؟!
كيف يحق لنا بوصف هذه الأفلام بعكس واقع تصرفات المجتمع ونحن إلى الآن لم نشاهد رجلاً يشتري وجبة من أحد المطاعم السريعة من دون أن يذكر للبائع «لا تضع لي المخللات» أو «الكاتشب «؟ هل هناك أفلام تجاوزت هذه المرحلة الدقيقة إلى ما هو أبعد من ذلك؟!....من الممكن أن تكون الإجابة بنعم ولكن بأشياء أخرى، واقعية صادمة، جريئة للغاية، تماماً كما شاهدنا في فيلم Little Miss Sunshine عندما سالت الطفلة خالها لماذا يده مجروحة، فأجابها «لأني حاولت الانتحار بسبب أنني عشقت ولداً ولم يبادلني الحب».
بل هناك فيلم آخر جاوز تلك المرحلة بكثير، وذلك عندما صنع «نوح بومباه» جرأة كبيرة لشخصية طفل يمارس العادة السرية أمام الشاشة السينمائية في فيلمه المثير للجدل The Squid and the Whale ، وهناك فيلم تجاوز أيضاً خطوط حمراء في واقعية تراجيدية عندما صنع المخرج والممثل «تيم روث» أباً مريضاً غمرته الشهوة الجنسية لدرجة أن أوصلته لابنته الصغيرة وذلك في فيلم The War Zone
الواقعية في السينما الأوروبية المختلفة عن أفلام العصر الكلاسيكي ذات النفس المسرحي بدأت إيطاليا ونضجت أكثر في فرنسا مع موجة جديدة كانت أكثر جرأة وخروج عن التقاليد رغم قربها من أسلوبية التنفيذ في السينما الإيطالية ومعها الإسبانية والألمانية، ولكن يحسب للفرنسية أنها كانت تتعدى الخطوط الحمراء كثيراً كما شاهدت من أفلام وقرأت للعديد من الكتاب الذين وصفوا السينما الفرنسية وحسناتها على السينما العالمية، مثلاً لا يمكن أن نجد كمية ما قدم في «سائق الدراجة» الإيطالي من جرأة بالشكل الذي قدمه فيلم «400 الضربة» الفرنسي، فهناك فارق شاسع بينهما ويحسب للأول أنه خلق النفس الواقعي الأقرب للأسلوب الوثائقي، ولكن ليس بالجرأة الكافية التي قدمها الفيلم الثاني وقس على ذلك الكثير.
حقيقة وصف السينما لحال المجتمعات هل هو واقع أم قريب من الواقع أو بعيد؟!
وهل نظرتنا لمبدأ جرأة السينما عندما تصف واقع المجتمع، نحن لا نتحدث هنا عن قضايا مستهلكة طرحت كثيراً ك»خطورة المخدرات» أو «قضايا المراهقين»، السؤال يقصد منه القضايا الحساسة التي تكون أكبر من تلك الإشكاليات التقليدية كمثل قضية «الشذوذ الجنسي» كما صورها «آنج لي» في «بروكباك ماونتون « أو إشكالية «العلاقات الجنسية الأسرية» كما صورها «تيم روث» في «ذا وور زون « أو مصيبة «جرائم الأطفال» كما صورها «فيرلاندو ميرليس» في «مرينة الرب» أو حتى رؤية ل «الشهوة الجنسية الفطرية» كما قدمها «الخاندوا غونزاليس» في فيلم «بابل «.
ذلك التقديم الجزئي لبعض القضايا في نظر محبي السينما تطرح عليهم تساؤلات عدة أهمها هل هي كافية بنظرهم أم مبالغ فيها أم نجد أنه من الأجدى أن تكون هناك جرأة أكبر؟!
نعم، نعلم أن هناك من يرى في السينما فناً راقياً قد تخدشه تلك الجرأة التي تصدر من بعض الكتَّاب والمخرجين عندما يصنعون بعض المشاهد مبررين أنها ليست إلا عكساً لتصرفات الناس كمثل ما فعل «كيبوريك» في «عيون متعسة بإغلاق» أو «الفير ستون» في «قتلة بالفطرة». من الجانب الآخر هناك من يرى أن الأفلام السينمائية يجب أن تملك مجالاً مفتوحاً لا حدود له في الحرية سواء كانت في التعبير الفكري في النص أو في التنفيذ الفني للشكل، وهذا الأمر جعل هناك نوعاً من التصادمات في الرأي حول ضرورة وضع خطوط حمراء من عدمها من الجماهير والنقاد وصنَّاع السينما أنفسهم، فيما يرى البعض في مسألة ضرورة تقنين حدود في طريقة تنفيذ الأفلام واجبة خصوصاً بعد الصدمة التي نفذها بعض المخرجين في السنوات الأخيرة كما قدم المخرج الإسباني «جوليو ميدوم» جرأة صعقت البعض عندما صنع فيلمه (Lucia y el sexo) في العام 2001، مستخدماً أساليب كانت محظورة من قبل.
==================
جوائز العام السينمائية: أشهرها الأوسكار والنقاد يهتمون بسعفة كان
ناك العديد من الجوائز السينمائية الهامة التي تقدم طوال العام، والمنتجون يحرصون كثيراً على المشاركة بأفلامهم في المهرجانات السينمائية المعتبرة، خصوصاً إذا ما نظرنا للسنوات الأخيرة سنجد أن أفلام «سلوم دوغ مليونير» و»هارت لوكر» تعرّف عليها النقاد عن طريق المهرجانات وهي التي كانت مغمورة وتكاد تنسى تعرف النقاد على مثل هذا الأفلام دفعهم للكتابة عنها في الصحف والمواقع الإكترونية وهو الأمر الذي ساعد على انشارها إعلامياً ومن ثم الخطوة الأهم وجود الموزع لتلك الأفلام، ومن هذا الطريق تجد الأفلام نفسها في موسم الجوائز النقدية والأكاديمية نهاية العام، وبالطبع تختلف طريقة التقييم المختلفة بين المهرجانات السينمائية والأكاديميات وروابط النقاد والنقابات وغيرها كل على حسب سياسته في ترشيح الفائزين، وللتعرّف أكثر عن الجانب الغامض في طريقة ترشيح الفائزين لدى الكثير من الجوائز المعلنة في منتصف العام ونهايته يجب علينا معرفة أهمية عرض الفيلم في دور السينما وللجمهور وعرضه في السينما ثم عمل دعاية له عن طريق مراجعات النقاد في الصحف والمجلات والمواقع السينمائية المتخصصة على الإنترنت، البداية للانتصارات تبدأ بما يُسمى أو ما يُعرف «بالطريق للأوسكار» وهو ترشح الفيلم أولاًَ خلال روابط النقاد التي تعلن قبل نهاية العام وتضم عشرة أفلام هي نخبة أعمال العام عن كل رابطة تمثل مدينة أو ولاية في أمريكا، ونعني طبعاً نقاد متخصصين ولهم وزنهم وقيمتهم وأهميتهم لدى الجمهور والمتخصصين في مجال صناعة السينما في الولايات المتحدة وتمثّل أهمية التواجد فيها قبل الدخول في حرب المنافسة الكبرى في نهاية العام فرصة كبيرة لتعريف الفيلم بنفسه قبل نسيانه من قبل المصوّتين، فيما تعتبر روابط نقاد نيويورك ولوس آنجلوس وشيكاغو الأهم من ناحية القيمة النقدية وأكثر الروابط الصحفية والنقدية اعتباراً في الوسط السينمائي الأمريكي، تليها دلاس، ولاس فيغاس، وواشنطون، بعد مرحلة تواجد الأفلام في روابط النقاد، نأتي للمرحلة الثانية المهمة قبل الدخول في سباق الأكاديمية الأمريكية «الأوسكار» والأكاديمية البريطانية «البافتا» وجمعية الصحافة الأجنبية أو ما تُعرف ب «الكرة الذهبية»، وهذه المرحلة تُعرف بمرحلة السباق ما قبل النهائي الخاص بجوائز العام وتُعرف بجوائز نقابات السينما في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعتليها بالأهمية نقابة المخرجين ونقابة المنتجين، ثم نقابة الممثلين ونقابة الكتَّاب، وهناك نقابات أكثر تخصصاً مثل نقابة المصورين ونقابة الديكور ونقابة الصوت وغيرها وهي بالطبع لا تدعم الأفلام في الجوائز الرئيسية فهي محصورة فقط في جوانب فنية أخرى كالمونتاج والمؤثّرات البصرية وغيرها، بعد مرحلة التصفية النهاية في مرحلة النقابات نجد أن طريقة اختيار المرشحين في الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون «الأوسكار» تتم على ثلاث مراحل، الأولى دخول نسبة كبيرة جداً من أفلام العام الأمريكية والأجنبية في السباق الأولي لدخول الترشيحات، عن طريق توزيع استبانات لأعضاء الأكاديمية المقدر عددهم بأكثر من 6000 شخص غالبيتهم من الممثلين والمنتجين والمخرجين والكتاب من داخل الولايات المتحدة، يتم تقليصهم لعدد 5860 شخصاً أثناء مرحلة اختيار الفائزين النهائية، المرحلة الثانية هي الإعلان عن المرشحين، الثالثة والأخيرة هي الإعلان عن الفائزين عن طريق حفل ضخم يقام كل عام في يوم الخامس والعشرين من شهر فبراير الجاري، ولذلك تكتسب ترشيحات روابط النقاد والنقابات أهمية كبيرة بحكم أنه من المستحيل أن يشاهد عضو الأكاديمية أكثر من 6000 فيلم سينمائي طوال العام، وبذلك تكون الطريقة المثالية التي يتبعها غالبية المصوّتين هي مشاهدة القائمة التي اختارها النقاد والنقابات بحكم التخصص ومن ثم التصويت بشكل مطمئن بحكم أن غالبية الأعمال الجديرة بالجوائز يتم مشاهدتها من قبل النقاد حتى قبل عرضها في صالات السينما، الجانب الآخر من تكريم الأفلام بالجوائز يختلف كثيراً عن الطريقة التي تتبعها الأكاديميات أعلاه، وتعرف بجوائز المهرجانات السينمائية من حول العالم، ولعل أهمها جائزة السعفة الذهبية في كان، ثم الدب الذهبي في برلين وجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فنيسيا، وهناك المئات من المهرجانات السينمائية العريقة الأخرى مثل «طوكيو»، «تورنتو»، «روما»، و»صنداس « الخاص بالأفلام المستقلة، «وتكتسب أهمية هذه الجوائز العظمى بحكم أن اختيار الأفلام المشاركة لا يتم بسبب البذخ البصري المقدم فيها أو حتى الجانب الفني المكتمل إنما يتم اختيار الأفلام لهذه الجوائز بالعادة بسبب المضمون والفكرة التي قدمها نص العمل، أو نجد أن فيلم يشارك في أحد المهرجانات بسبب طريقة إخراجية فريدة من نوعها لم تعمل من قبل، أو سيناريو جريء ومجنون ويطرح قضايا محرمة على مستوى الدين والسياسة والجنس، ونادراً ما نجد أن فيلم جمع مثلاً ما بين سعفة كان الذهبية وجائزة الأوسكار كأفضل فيلم حيث إن آخر عمل جمع ما بين هاتين الجائزتين هو فيلم « مارتي Marty « في العام 1955، وآخر فيلم جميع ما بين الدب الذهبي في برلين وجائزة الأوسكار هو «رجل المطرRain Man « في العام 1988 .
http://www.al-jazirah.com/20100624/zt.htm
Al Jazirah NewsPaper Thursday 24/06/2010 G Issue 13783